جلست مع زوجها يومًا وقالت:
أنت تحب أصدقاءك أكثر مني؟ لماذا تفضل الجلوس معهم والخروج معهم أما أنا فلست أحتل هذه المكانة؟
فرد عليها: اسألي نفسك لماذا يحب الصديق صديقه؟ وما السبب الذي يدعوه إلى الخروج معه أو الجلوس لوقت طويل معه؟
وإذا وجدت الإجابة قارنيها بين أحولك وأفعالك.
أخي/ أختي الزوجة:
هناك ركنان أساسيان في بناء أي بيت وهما:
الركن الأول: ما يتعلق باستقرار البيت ويشمل:
1. الطاعة.
2. تلبية احتياجات الزوج مثل الأكل، الملابس، ترتيب المنزل، التزين، تلبية الحاجاة الجسدية، التعامل معه وقت النوم ووقت المرض والشدائد.
3. تربية الأولاد وما يتعلق بها.
4. التعاون على طاعة الله تعالى.
الركن الثاني: ما يتعلق بحسن العشرة بين الزوجين ويشمل الآتي:
1. التفاهم بين الزوجين.
2. المودة والرحمة.
3. الصداقة والحب والعشق وهذه أعلى المستويات في العلاقة الزوجية، وإذا وصل الزوجان إلى مرحلة الصداقة فإنها تعتبر مرحلة عالية ومتقدمة جدًا بين الأزواج في طبيعة العلاقة بينهما والحياة الزوجية.
وأحكي لكما هذه القصة:
كانت حياتها آلية ليس فيها روح، وبعد فترة من الزواج سافر الزوج وحدث له محنة في سفره، وفي ذلك الوقت كان أهم ما يفكر فيه كيف ستكون حياته مع زوجته، وهو يتخيل أنه يمشي معها على شاطئ البحر وهو يمسك بيدها, ويتكلم معها وهي تتكلم معه ثم يرجعان إلى البيت بفرحة غامرة لأن روح جديدة دبت في حياتهما الزوجية وهي:
روح الصداقة:
كان يحدثني بينما كنا معًا في العمل (خرجتُ أنا وصاحبتي وتمشينا على شاطئ البحر طويلًا فلم نشعر بالوقت يمر علينا، ثم انطلقنا إلى أحد المطاعم لنتعشى ثم ذهبنا مسرعين إلى البيت لننعم بالدفء سويًا، وقضينا الليل حتى ظهرت أول أنوار الصباح متقاربين، نتحادث ونتسامر ونتطلع إلى النجوم...).
وبينما كان صاحبي يصف جمال ليلته الماضية حانت منه التفاتة إلى وجهي، فوجدني مشدوهًا فاغرًا، فمر مندهشًا من جرأته، فتوقف ليسألني: ماذا هناك؟ ماذا بك؟ فقلت: أنت الرجل الحريص على رضا ربك المجانب لكل ما حرَّم، تفعل كل هذا ثم لا تستحي أن تذكره للآخرين.
قال: وما الحرام في صحبة زوجتي وأم أبنائي وقضاء بعض الوقت الحسن معها، فلم يتوقع صاحبه أن تكون صاحبته التي خرج معها وكان سعيدًا بقضاء الوقت معها أن تكون زوجته، ربما توقع إلى واحدة أخرى إلا زوجته.
وكأن هذه الصورة لا يمكن أن يتتحقق بين الأزواج، وتكون فقط بين الأحباب في الحرام.
وقد نبهني حديثه, وإن كان قد أخذ شكل الدعابة، نبهني إلى أمر هام، إن العلاقة بين الزوجين لها خصائص كثيرة، ولكن إذا أردنا اختيار خاصية واحدة تضفي على علاقتهما دوام المتعة والحيوية على مر السنين فلن تكون سوى أن يعامل كل منهما الآخر معاملة الصديق الحميم، ذلك أنه عندما يكون الزوجان أصدقاء في المقام الأول، فإن الأمور تسير طبيعية من تلقاء نفسها، فالصداقة تحتم على كل صديق أن يدعم صديقه، وأن يحتمله ويعطف عليه، ويلتمس له العذر، كما أن الصداقة تسهل عملية التواصل.
والصداقة تمهد الطريق للضحك والمرح كما أنها أيضًا تعني التزام الجدية، إذا تطلب الأمر ذلك.
والصديق على اتصال دائم بصديقه يجده وقت الرخاء، ولا يفتقده وقت الشدائد.
من علامات الصداقة:
الفهم, والتقبل, والتقدير، قضاء الوقت معًا.
الفهم:
وهو أن تتفهم الطرف الآخر طبيعته وشخصيته وما يحب وما يكره.
التقبل:
إذا حدث الفهم فإن هذا يدفع إلى التقبل أي تقبل الطرف الآخر كما هو بما فيه من حسنات وعيوب, والقبول يدفع الزوج مثلًا إلى البحث عن إيجابيات الزوجة، والتركيز عليها ومن ثم يزداد حبه لها، ومن خلال هذا الحب يمكنه أن يغير ما يراه عيبًا فيها.
التقدير:
والتقدير من الحاجات الأساسية التي يحتاجها كل إنسان وليس الزوجان فقط.
فحاول أخي الزوج أن تعامل زوجتك بعطف وتقدير واحترام تمامًا كما تعامل أقرب أصدقائك، وعندما لا تعرف ماذا تفعل اسأل نفسك: إذا كان هذا الشخص صديقي، فكيف سيكون سلوكي معه ورد فعلي تجاهه؟ إنه من الأهمية بمكان أن تتذكر كيف يتعامل الأصدقاء مع بعضهم، ثم تحاول تطبيق هذا في علاقتك مع شريكة الحياة.
(إن الزوج الذي تربطه بزوجته روح الصداقة لا يبحث عن عيوب زوجته ويفتش عنها، ولا يحاول أن يظهر تلك العيوب، فهو يدرك أنه ليس من نبل المرء ولا من حسن ديانته أن يظهر ضعف الآخرين، وهو يعلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر) [رواه مسلم].
والناس في هذا ثلاثة أقسام:
أعلاهم: من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن، وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها.
وأقلهم توفيقًا: من عكس القضية فأهدر المحاسن مهما كانت وجعل المساوئ نصب عينيه.
القسم الثالث: من لحظ الأمر ووازن بينهما، وعامل زوجته بمقتضى كل واحد منهما، وهذا منصف) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، (ص274-275)، باختصار].
قضاء الوقت معًا:
حتى نعيد دفء العلاقة مع شريك الحياة, ويستمر الحب بعد مرور سنوات على الزواج فإن أول ما يحتاجه الزوجان هو الوقت، فالحب يحتاج إلى الوقت.
لذلك أطلب منك أخي الزوج أن تحب زوجتك بصدق، وأن تربط بينكما صداقة حميمة فتقضي معها بعض الوقت بمفردكما، لتتجاذبا أطراف الحديث سويًا، ويعبر كل منكما عن حبه للآخر، وتضحكان معًا، وتستشعرا معًا شراكة الحياة.
وقد نبهت مشاعر الحب بين الزوجين عندما نسمع هذه العبارة:
(لا أجد وقتًا كافيًا لأجلس معك) فكل من الزوجين "مشغول" بأعماله واهتماماته، ولا وقت لديه للطرف الآخر.
الخطأ هنا يقع من بعض الأزواج حين يجد أن علاقته حسنة بشريك حياته، فيتوقف عن استثمار الوقت في تقوية هذه العلاقة وتنميتها، بينما الواقع يؤكد أن نمو الحب بين الزوجين لن يحصل ما لم يستثمر كل من الزوجين الوقت والجهد المطلوب في رعاية الطرف الآخر.
أنا أعرف أن الحياة بعد فترة من الزواج تصبح مثقلة بعبء السعي لتحقيق المستقبل وتحمل المسئوليات العائلية، كما أن (تعقيدات الحياة وكثرة مشاغلها تحرم الكثير من الأزواج فرص المعايشة, وقضاء الوقت المشترك.
ومع أننا نسمع الزوج أو الزوجة يؤكد أن العلاقة بينه وبين شريكه أهم من ترتيب المنزل أو غيره فإنه قد يجد الوقت لترتيب المنزل، ولا يجد وقتًا يقضيه بهدوء مع شريك الحياة, نعم إن عصر السرعة الذي نحن فيه يضغط على الزوجين، ولكن العلاقة الزوجية تتغذى بالوقت الذي يستثمره الطرفان في هذه العلاقة، ولا بد من التروي في تنمية هذه العلاقة من خلال ما يبذل فيه من وقت) [التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون مبيض، (ص246-247، بتصرف].
إن الكثير من الدراسات تظهر أن أهم أسباب ضعف العلاقة الزوجية وتدهورها، هو قلة الوقت الذي يقدمه كل من الزوجين لنمو هذه العلاقة.
اقتراح:
ولذلك فنحن نقترح على الأزواج أن يحاولوا عدم الافتراق الطويل بينهما في سفر أو عمل أو غيره، وأن تكون الأولوية عندهم للعيش المشترك وقضاء الوقت معًا (فيكون بينهما مثلًا موعدًا أسبوعيًا يقضيانه بمفردهما فقط أو يخرجان فيه للتنزه وتناول العشاء, أو زيارة الحديقة أو البحر، أو غير ذلك من الاقتراحات التي لا تنتهي، والتي قد تخلتف من بيئة لأخرى، ومن بلد لآخر فيما هو متوفر، أو قد يفضل الزوجان أن يقضيا الأمسية في البيت بمفردهما متجاهلين رنين الهاتف، ويتناولان وجبة العشاء الخاصة، ويقضيان الوقت بالحوار والمداعبة.
ويُفضل هذه الأوقات الخاصة ألا يحاولا حل مشكلة أو اتخاذ قرار هام في حيتاهما، فهذا الوقت ليس لمثل هذه القضايا، وإذا ظهر في الحوار موضوع غير مناسب يحتاج للدراسة والنقاش والحل فيمكنهما هنا أن يقفا الحديث ليعودا إليه في وقت آخر، ذلك أن هذه الأمسية الخاصة مخصصة للاسترخاء والحديث الهادئ والاستمتاع بصحبة شريك الحياة، والقرب منه, والحديث عن الأحلام والأمنيات التي يتمناها كل طرف في المستقبل) [المصدر السابق، (ص239-240)، بتصرف يسير].
التواصل بين الأصدقاء:
(الحوار هو طريقة للتواصل بين الأزواج والأصدقاء، فكل من الزوجين في حاجة إلى إيجاد وقت للحوار بينهما بين فترة وأخرى، فلا يشغلهما شاغل عنه، بل يحاول كل منهما الآخر، ويشاهد كل واحد بريق عيون الثاني، ويلمس دفء يديه، ويتحدثان عن ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما فيكونان صديقين أكثر من كونهما زوجين.
فكلمة من هنا وقصة من هناك، وضحكة من هنا ولمسة من هناك، تجدد الحب بينهما وتعطيه عمرًا أطول، ولا يوجد شكل واحد للتواصل بين قلبي الشريكين، ولكنهما في حاجة فقط إلى مراجعة التوقيت المناسب لتلك الحوارات، فإذا شعر كل منهما أنه يحمل للآخر مشاعر الحب والتفاهم, أون يمكنهما التحاور بأسلوب هادئ ومتزن، فإن هذا مؤشر على أن التوقيت جيد ومناسب لبدء حوارات القلب إلى القلب) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، (ص757-758)].
الضحك بين الأصدقاء:
(إن المزاح والدعابة أمر ضروري بين الزوجين الصديقين لأنه يجدد حياتهما ويجدد نشاطهما, ويجدد أيامهما، فالضحك رمز الأنس والفرح والسعادة، أما التجهم والصمت فإن الحياة معه تصبح مملة كئيبة، يتمنى معها شريك الحياة أن يمكث خارج المنزل أكثر من بقائه فيه) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، (ص33) بتصرف واختصار].
وخذ هذا المثال:
ما أكثر ما ذكر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من حبه للسيدة عائشة، وما روي في صحيح مسلم والبخاري من أشكال الصداقة بينهما لعب وضحك وجري وملاطفة وحوار وحديث واستماع، وكلنا يعرف القصة المشهورة أم زرع الطويلة التي حكتها السيدة عائشة للرسول، وعلى طولها كان يستمع إليها ويشاركها الحديث.
خديجة خير صديقة:
أقول لكل زوجة لكي ترتقي إلى درجة الصديقة لزوجك، عليك أن تكوني مستشارة له في علم من العلوم، أو مهارة من المهارات، لا، الرجل بحكم طبيعته لا يلجأ إلى حل مشكلاته إلا لمن يساعده في حل مشكلته ولا يتكلم من أجل الكلام، بل من أجل المشاركة في إيجاد حل المشكلة.
وانظري كيف رأى الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة عندما قال عنها:
(آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء)[رواه أحمد وهو صحيح].
فاستحقت بذلك أن تكون الصديقة المستشارة عند أعظم محك حياته عندما ذهب إليها بعد نزول الوحي عليه لأو مرة يرجف فؤاده، ودخل على خديجة وهو يقول: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
ثم قال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به حتى أتت به ورقة بن نوفل بن عم خديجة لتسشيره فيما حدث لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم [رواه البخاري] [دروس تربوية للمرأة المسلمة، عصام محمد الشريف، (ص11)].
وهذا نسميه في علم النفس الدعم النفسي، فمهما كان الرجل قويًا فإنه في النهاية بشر يخاف ويحزن وتوتر وقلق وتعتريه في ما يعتري البشر من مشاعر ومخاوف، وفي هذا الوقت يحتاج الرجل إلى دعم من زوجته تقويه وتسانده وتذكر له محاسنه وصفات القوة عنده وتطمأنه، وهذا ما فعلته السيدة خديجة في هذا الموقف الجلل مع زوجها محمد صلى الله عليه وسلم فاستحق هذا الحب منه الذي غارت منه السيدة عائشة وهي متوفاة.
فقد روي عن عائشة أنها قالت: (ما غرتُ على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لما كنت أسمعه يذكرها) [البخاري] [من دروس تربوية للمرأة المسلمة (ص14)].
ماذا بعد الكلام؟
1. لكي يكون الزوجان صديقين لا بد أن يتوافر لديها الفهم والتقبل والتقدير مع قضاء جزء من الوقت معًا.
2. عليكما أن يكون بينكما حوار وتواصل لتجديد الحياة الزوجية واستمرار الحب على مر السنين.
3. إذا رأيت وجه صديقك وشريك حياتك ابتسم فالوجه الباسم الضحوك يشرح الصدر والقلب والعقل، فإن المزاح والدعابة يجدد الحياة ويجدد النشاط.
4. ولا تنسي العفو والتسامح في العلاقة بين الأصدقاء لتسود الألفة بين الزوجين الصديقين، ويستمر الحب.
المراجع:
· حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدر
- التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون مبيض.
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.
· دروس تربوية للمرأة المسلمة، عصام محمد الشريف.
منقوووووول